تقرير ـ بسمة البوهي
في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتزداد فيه الفجوة بين الفن والجمهور، وعندما كانت الفنون محصورة داخل جدران المسارح وقاعات العرض، جاء مهرجان القلعة 2025 ليكسر هذا الحصار، ويحسن العلاقة بين الإبداع والمجتمع، ويعيد الفن إلى أحضان الناس.
لحظة تلاقي بين الثقافة والجمهور
وبين أحجار القلعة التاريخية، اجتمع الفنون والجمهور في لحظة نادرة من تلاقي الناس والثقافة، وهذا المشهد يعكس قدرة الثقافة على اختراق الحواجز الاجتماعية، وأن المهرجان ليس مجرد حدث ترفيهي، بل هو حدث إنساني واجتماعي يعبر عن شغف الجمهور بالفن، ويؤكد أن الجمال حين يقدم للناس يصبح أكثر تأثيراً وصدقًا.
ويقال إن هذا المهرجان يعمل كأنه طوق نجاة من ضغوطات العمل والروتين اليومي، وما يميزه أن الدخول برسوم “رمزية”، وهذا جعل الناس تذهب للمهرجان دون قلق أو حمل عبء الرسوم والمصاريف، وزرع بداخلهم حب الفن، وأصبح الفن قريباً منهم، وفرصة لتجتمع العائلة مع بعضها البعض.
الموسيقى وسط التاريخ
وله أجواء وطعم آخر، لأنه وسط التاريخ الممزوج بالموسيقى، وأحيا حب الموسيقى في نفوس الناس من جديد، والأجواء المبهجة تشعرك وكأنك وسط عائلتك وليس جمهوراً عاديًا، بسبب البهجة التي تظهر على وجوه الناس، وتعلو أصوات الأغاني بينهم.
الثقافة في قلب الاستراتيجية
يعد مهرجان القلعة نموذجاً ناجحاً لما يمكن أن تفعله الدولة، حيث تضع الثقافة في قلب استراتيجيتها الاجتماعية، وهذا المهرجان يعلمنا أن الفن لا يجب أن نحبس في القاعات، بل يجب أن ينثر في الشوارع ليصل إلى كل بيت وكل قلب، وهذا يخلق جمهوراً جديداً للفن ويعيد الثقافة بين الناس.
وتتنوع العروض بين الموسيقى الكلاسيكية والغناء الشرقي والعزف المعاصر، وهذا يعكس ثراء الهواية الفنية المصرية، وأتاح المهرجان الفرصة لفرق الشباب وموسيقيين مستقلين للظهور أمام جمهور كبير، مما يعزز التنوع الفني.
الفن كوسيلة للتواصل
تم إعادة الاعتبار للفن كوسيلة للتواصل المجتمعي وليس مجرد عرض، وساهم المهرجان في رفع الوعي الفني لدى الجمهور، خاصةً الشباب الذين يحضرون لأول مرة حفلات موسيقية حية، وأثبت أن الفن يمكن أن يكون جماهيراً دون أن يفقد قيمته الفنية.
ويعتبر المهرجان وكأنه ساحة مفتوحة للجميع، وخاصةً الجمهور البسيط الذي لا يستطيع حضور حفلات مكلفة، وكأنه فرصة بالنسبة لهم للاستمتاع بالفن الراقي مجاناً أو بأسعار رمزية، وهذا يعزز قيم المساواة ويخلق حالة من الفرح الجماعي، حيث شارك الناس في الغناء والتفاعل مع الأغاني، مما يساعد في تطور العلاقة بين الأجيال.
مهرجان الغلابة.. تجربة إنسانية فريدة
يعرف المهرجان شعبياً بـ “مهرجان الغلابة”، لأنه استطاع أن يجمع بين الفن الراقي والجمهور البسيط، في تجربة ثقافية وإنسانية فريدة، حيث أصبح الفن متاحاً للجميع بعيداً عن الحواجز المادية أو الاجتماعية.
الفن للجميع.. رسالة المهرجان
لم يكن مهرجان القلعة مجرد احتفال موسيقي، بل كان حدثاً إنسانياً واجتماعياً يعيد تعريف الفن كقيمة جماهيرية، ونجح في كسر الحواجز وفتح أبواب القلعة أمام الناس، لتوصيل رسالة: “أنتم أصحاب هذا الفن وأنتم جمهوره الحقيقي”.
فن يزهر في قلوب الناس
حين تقدم الثقافة بذكاء تستطيع أن تجمع الناس وتغير نظرتهم للحياة، والمهرجان نموذج يستحق التكرار والتطوير، ويجب توسيعه ليشمل مدناً أخرى وفعاليات أكثر، لأن الفن حين يزرع في أرض الناس يزهر في قلوبهم.