إعداد / محمود الوروارى
تمر علينا ذكرى عطره،ألا وهى غزوة بدر الكبرى،والتى وقعت يوم السابع عشر من رمضان فى السنة الثانية للهجرة بين المسلمين بقيادة النبى صل الله عليه وسلم وبين قريش بقيادة عمرو بن هشام( أبو جهل)،حيث بلغ عدد المسلمين ٣١٤مقاتل ،بينما كان عدد المشركين ١٠٠٠ مقاتل،ودارت المعركة وحمى الوطيس عند بئر بدر وهو مكان بين مكه والمدينة،وانتهت معركة الفرقان بإنتصار المسلمين على المشركين وقتل وأسر خلق كثير من المشركين،فكانت غزوة بدر أول معركة فاصلة بين المسلمين والمشركين.
ترجع أسباب الغزوة إلى وصول أخبار للمسلمين بقدوم قافلة قريش من الشام بقيادة أبو سفيان بن حرب محملة بالبضائع ،فطلب النبى من الصحابة الخروج لإعتراض القافلة وكان لا يريد قتالا،وإنما قصد عير قريش،عوضا لهم عما أخذته قريش من أموالهم،وما أن وصل الخبر لأبوسفيان حتى غير طريق القافلة واستنجد بقريش لإنقاذ القافلة،وأرسل اليهم عمرو بن ضمضم يحرضهم على قتال المسلمين،فقرروا الخروج لما راوه من امتهان للكرامة وتعرض اقتصادهم للخطر،وبعد نجاة أبو سفيان بالقافلة طلب من قريش العودة لمكة ولا داعى للقتال،ولكن أبوجهل وصناديد الكفر أصروا على قتال المسلمين لتأمين الطريق التجاري للشام،وقد ظهر عناد أبو جهل بقوله ردا على أبو سفيان “والله لا نرجع حتى نرد بدرًا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمور وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدًا” ،ولم يكترث بنصيحة أحد،حيث سيطر الكبرياء على الموقف.
وعلى الجبهة الإسلامية فقد أستشار النبى اصحابه وأجمعوا على قتال وملاقاة المشركين،فها هو الصحابى الجليل المقداد بن الأسواد يقول لرسول الله : لا نقول كما قال قوم موسي له ” فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون”،ولكن امض ونحن معك نقاتل عن يمينك وعن شمالك،وكذلك ما قاله الصحابى سعد بن معاذ حامل لواء الأنصار لرسول الله ” امض لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد”،وقد رفعت هذه الكلمات من معنويات الصحابة،واستطاعت المخابرات الإسلامية جمع الاخبار عن العدو،وعلموا من غلامين عدد جيش المشركين من خلال السؤال الذى وجه لهما: كم ينحرون ؟فقالا: يوما تسعا ويوما عشرا،وسؤاله للشيخ الذي لقيه فى بدر.
وقد تحرك رسول الله إلى موقع ماء بدر،وبالقرب من مكان المعركة،نزل بالجيش عند أدنى بئر من آبار بدر فقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: “بل هو الرأي والحرب والمكيدة” قال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض يا رسول الله بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم- أي جيش المشركين- فننزله ونغور – نخرب- ما وراءه من الآبار ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون ،فأخذ النبى برأيه،واقترح الصحابى سعد بن معاذ بناء عريش للنبى ليكون مقرا للقيادة وحماية له من أي خطر،وقبل المعركة أنزل الله على المسلمين النعاس والمطر كما جاء فى القرآن الكريم “إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام”،وكان نزول المطر خيرا ليغتسلوا ولثبوت الرمل حتى يستطيعوا القتال وتثبت أقدامهم( المدد الألهى).
ولا ننسى أن النبى صف الصحابة واستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه فجعل المشركين يسقبلون الشمس،وهذه حنكة قائد عظيم أن يجعل الشمس خلفه ويجعلهم يقاتلون فى وجه الشمس !!!،ثم أخذ يحرض الصحابة على القتال لنيل شرف الشهادة فى سبيل الله والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض،كما كان يبشرهم بمقتل صناديد قريش والنصر على المشركين وهذه تعبئة معنوية،وقد دعا النبي ربه لينصره وليهلك قريش،قال الله تعالى ” إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين”،وقال الله ” وَلَقَدْ نَصَّرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون* إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِين بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِين”.
وقد اندلعت المعركة بالمبارزات الفردية،وقتل ثلاثة من جيش المشركين،فخرجت قريش غاضبة،والتحم الجيشان وكان شعار المسلمين (أحد أحد) والنبى يردد”سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر”،وقذف الله في قلوب الأعداء الرعب وأنزل الملائكة تقاتل مع المؤمنين” إذ يوحى ربك الى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين أمنوا سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب..) وحمى وطيس المعركة وانتصر النبى صلى الله عليه وسلم ومن معه وقتل سبعين رجلا من المشركين أغلبهم من قادة قريش وعلى رأسهم أبى جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأسر سبعين،واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا؛من المهاجرين عبيدة بن الحارث بن المطلب،عمير بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف،ذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة، عاقل بن البكير،مهجع مولى عمر بن الخطاب،صفوان ابن بيضاء، ومن الأنصار سعد بن خيثمة،مبشر بن عبد المنذر بن زنبر،يزيد بن الحارث، عمير بن الحمام،رافع بن المعلى،حارثة بن سراقة بن الحارث، عوف بن الحارث،ومعوذ بن الحارث.
ومن نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين وازياد ثقة المسلمين بالله وبرسوله،وفقدان قريش مكانتها وتراجعت وسقطت أسطورتها المزعومة،وأصبح للمسلمين مكانة عظيمة عند العرب والعجم .
وهناك دروس وعبر من غزوة بدر منها:
١- أهمية الأخذ بالأسباب، ومنه تقصى أخبار العدو والتجهيز للمعركة.
٢- استواء القائد والجند في تحمل الشدائد والمصاعب، فها هو صلى الله عليه وسلم يتعاقب مع علي بن أبي طالب وأبي لبابة على بعير واحد، ويأبى أن يؤثراه، ويقول: “مَا أَنْتُما بِأَقْوَى مِنِّي، وَلا أَنَا بأِغْنىَ عَنِ الأجْرِ مِنكُما”
٣-أهمية القائد ودوره في الحضر والسفر، فقد استعمل صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس، ورد أبا لبابة من الروحاء، واستعمله على المدينة.
٤- تطبيق مبدأ الشورى، وتعويد الأمة على ممارستها،وقبوله صلى الله عليه وسلم بمشورة الحباب بن المنذر بشأن موقع معركة بدر.
٥- أهمية حماية القائد في المعركة، ويظهر ذلك من بناء الصحابة عريشًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
٦- نيل الشهادة فى سبيل الله والتعلق بالجنة،والوفاء بالعهد، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حُسيل، فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمداً، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر، فقال: (انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم) رواه مسلم،وهذا الموقف رغم صغره من غزوة بدر يعطي صورة مشرقة لتأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على خلق الوفاء، وحفظ العهد مع الأعداء، ويُعدُّ من مفاخر أخلاقيات الحروب في تاريخ الإنسانية، فلم ير المؤرخون في تاريخ الحروب على مر التاريخ موقفاً يُشابه هذا الموقف النبوي في الوفاء وحفظ العهد مع الأعداء.
٧- التخطيط الجيد والتنظيم كالتنويع في استخدام الأساليب الحربية، ومن ذلك:ما فعله صلى الله عليه وسلم، من جعل المسلمين في صفوف للقتال، على خلاف عادة العرب في استخدام أسلوب الكر والفر،واستقباله المغرب وجعل الشمس خلفه، فاستقبل المشركون الشمس.
٨- التوكل على الله والتضرع اليه وكثرة دعاء صلى الله عليه وسلم حتى سقط رداؤه .
٩- حسن معاملة أسرى العدو، والتواصي بهم، والمعاملة الطيبة لهم والعدل وعدم المحاباة ،والحرص على نشر العلم والمعرفة ومحو الأمية، ويظهر ذلك في جعله صلى الله عليه وسلم، فداء من لم يكن له فداء من مال، تعليم أبناء الأنصار الكتابة.
١٠- العدل في توزيع الغنائم، ومنه توزيعه صلى الله عليه وسلم الغنائم على الصحابة بالتساوي.
١١- تكريم الشهداء ورعاية أبنائهم، ومنه إسهام الرسول صلى الله عليه وسلم، لمن استشهد ببدر، فأعطى ذلك لورثتهم.
١٢- اليقين بأن النصر من عند الله تعالى، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}،”وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي”.
حفظ الله مصر وأهلها من كل مكروه وسوء وفق قادتها لما فيه صلاح البلاد والعباد .
وكل عام أنتم بخير