كتب : بشير حافظ
إنطلق ماراثون السباق الإنتخابي للغرفة الثانية للبرلمان «مجلس الشيوخ»- إحدى إستحقاقات التعديلات الدستورية الأخيرة– وحددت الهيئة الوطنية للانتخابات مواعيد فتح باب الترشح من 11 إلى 18 يوليو، على أن تُجرى الإنتخابات يومي 8 و9 أغسطس في الخارج، ويومي 10 و11 أغسطس في الداخل، وسارعت الأحزاب السياسية إلى عقد إجتماعات مكثفة لتشكيل تحالفات إنتخابية لخوض السباق على مقاعد القائمة والفردي.
وبحسب المؤشرات الأولوية لتلك التحالفات فسيكون لدينا قائمتان إحداهما يقودها حزب مستقبل وطن ومعه أحزاب هي التجمع والمصريين الأحرار وحماة الوطن ومصر الحديثة والحركة الوطنية والغد والوفد والحرية المصري وتنسيقية شباب الأحزاب وإرادة جيل والمصري الديمقراطي الاجتماعي، لكن لاتزال تلك الأحزاب مختلفة فيما بينها على نصيب كل حزب داخل القائمة والمقاعد المخصصة له.
أما القائمة الثانية (المعارضة) فيقودها حزب المحافظين وتضم أحزاب الإصلاح والتنمية والكرامة والعربي الناصري والدستور أي أحزاب الحركة المدنية وتحالف 25/30.
وتجرى إنتخابات مجلس الشيوخ في ظروف إستثنائية مع جائحة فيروس كورونا المستجد، وفي ظل تعالي أصوات مطالبة بتأجيل الإنتخابات ، لكن يبدو أن أزمة كورونا مستمرة معنا لفترة أطول، وهناك إستحقاقات دستورية لابد من إنجازها أولها إنتخابات الشيوخ ثم مجلس النواب وأخيراً المجالس المحلية.
في ضوء هذا كله تناقش بوابة «عيون الشرقية الآن» الخبراء حول أهمية مجلس الشيوخ ودوره، وما تسفر عنه التحالفات الانتخابية، ومدى نضج الأحزاب، وتقسيم الدوائر واتساعها، والآمال المرتقبة من الـ100 شخصية التي يعينهم الرئيس في المجلس المكون من 300 عضو (100 قائمة، و100 فردي و100 تعيين رئيس الجمهورية) والإجراءات الاحترازية والوقائية اللازمة في ظل انتشار وباء كورونا، وكثير من التفاصيل في سياق السطور التالية.
عام الإنتخابات
في البداية تقول الدكتورة حنان أبو سكين، أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن الدستور المصري نص على أن تكون مدة البرلمان 5 سنوات، وقبل انتهاء مجلس النواب في يناير 2021 لابد أن تكون الانتخابات قد أجريت قبل هذا التاريخ بستين يوما، وهذا معناه أن عام 2020 سيكون عام الانتخابات في مصر.
أهمية «الشيوخ»
وتابعت د.«أبو سكين»، في تصريحات خاصة لـ« عيون الشرقية الآن»، أن هناك بعض النظم السياسية تأخذ بنظام الغرفتين (الغرفة الأدنى والغرفة الأعلى) فالغرفة الأدنى هي مجلس النواب وتمثل الشعب، والغرفة الأعلى هي مجلس الشيوخ فتأتي بالتعيين أو الانتخاب أو الدمج بين الغرفتين، والفلسفة الرئيسية في الغرفة الثانية هي أن انتخابات مجلس النواب ليس دائما تأتي بأصحاب الخبرات وذوي الرؤية في التشريع والأبعاد السياسية والاجتماعية، وإنما قد يختارهم الناخب بناء على «الخدمات» أو نجحوا بناء على مصالح حزبية ومساومات، فالانتخابات لا تأتي بالأكفأ دائماً ، ولكن الدولة تحتاج أصحاب التخصص والخبرة لتغليب مصالح الوطن فوق المصالح الحزبية الضيقة، فمن هنا جاءت أهمية الغرفة الثانية للنظر في التشريعات والتدقيق فيها وفحصها لتخرج ذات جودة تشريعية.
وأشارت أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إلى أن مجلس الشيوخ يكون مجلس حكماء وبيت خبرة لا ينظر للمصالح الحزبية الضيقة، كما أن أهمية مجلس الشيوخ تتمثل في كون نشب خلاف بين الحكومة ومجلس النواب (الغرفة الأدنى) فإن وجود مجلس الشيوخ يرجح الخلاف بينهما، ويحد الخلاف بينهما ويديره، لافتة إلى أن دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية تمنح مجلس الشيوخ سلطات كبيرة كالموافقة على المعاهدات ومحاسبة الرئيس كما حدث في جلسات إستماع لترامب، ومثلا في مصر بعد ثورة 25 يناير كان مجلس الشورى لابد أن يوافق على التشريع.
وأوضحت أنه إذا كنا لم نلمس أهمية كبيرة لمجلس الشورى في بعض الفترات فهذا معناه الخطأ في التطبيق، ولكننا أمامنا فرصة كبيرة لممارسة تجربة ديمقراطية وننتقي أعضاء جديرين تتوافر فيهم الخبرة والتخصص والنزاهة، لأنهم يدققوا التشريعات ولا نحتاج لتعديلها بعد ذلك أي نتجنب ظاهرة «سلق القوانين».
ضعف الأحزاب
ولفتت إلى أن الحياة الحزبية في مصر قديمة عمرها أكثر من مائة عام، كما أننا لدينا مائة حزب، لكن هناك إختلاف بين قوة الأحزاب في الشارع وعمر التجربة، فرغم قدم التجربة ومصر رائدة في التجربة، إلا أن الأحزاب شهدت فترات ضعف كثيرة، وبعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو حدثت طفرة في الحياة الحزبية وشهدنا تأسيس أحزاب كثيرة بمجرد الإخطار بناء على تعديل قانون الأحزاب ورفع القيود القانونية، ولكن على الساحة مجموعة أحزاب تتصدر المشهد.
إتساع الدوائر
وذكرت الدكتورة حنان أبو سكين، أن القائمة تشمل 100 عضو وهذا يتطلب توافق الأحزاب وتحالفها، وهي موزعة 35 عضوا في قائمة القاهرة ومدن الوجه البحري، و35 عضوا في قائمة الجيزة والصعيد، و15 في قائمة مدن القناة، و15 في قائمة مطروح والإسكندرية، ولابد أن يكون منهم 10% سيدات، فبالتالي اتساع الدوائر يتطلب تحالف الأحزاب حتى يغطي محافظات الجمهورية، ولابد أن تكون هناك قائمة للاحتياطي، لافتة إلى أن هناك صعوبة عملية تواجه الأحزاب ويدفعها ذلك للتحالف.
تحالف الأحزاب
ولفتت إلى أن الدستور المصري نص على أن رئيس الجمهورية يكون مستقلا وليس له حزب سياسي، والخريطة السياسية هي أحزاب مؤيدة ومساندة للدولة، وتيار معارض، فالأفضل أن يكون التيارين قادرين على المنافسة حتى يشعر الناخب بالمنافسة ويقوم بالمشاركة، وهذا يدفع الأحزاب للتقليل من الصراعات حتى لا تتفتت الأصوات، كما أن تعدد القوائم غير جيد، ولذا لابد أن تتحالف الأحزاب بناء على التقارب الفكري.
إنتخابات كورونا
وأوضحت أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن إجراء الإنتخابات في ظل أزمة كورونا لابد من الإلتزام بالإجراءات الوقائية، وتنظيم الزحام خارج اللجان، وتوفير مستلزمات مثل الأقلام وإرتداء الجوانتي، وإستبدال حبر الفسفوري الذي يستخدمه الجميع، والاعتماد على وسائل التواصل الإجتماعي في الدعاية الانتخابية منعا للتجمعات الجماهيرية، ويصطحب الكحول معه ويغسل يده بالماء والصابون فور عودته للمنزل، وكذا تأمين أعضاء اللجان من القضاة والموظفين.
نسب المشاركة
وأشارت إلى أن الإنتخابات التي حدثت بعد 25 يناير حتى الآن كانت هناك درجة مشاركة إلا إنتخابات مجلس الشورى في عهد الإخوان الإرهابية كانت الأقل بنسبة 12%، موضحة أن الغرفة الثانية للبرلمان طوال تاريخها لم تحظى بنسبة مشاركة عالية، لأن ثقافة المواطن تربط المشاركة في الإنتخابات بالدور الخدمي للنائب في مجلس النواب، كما أن إتساع الدوائر يجعل الجماهير لا تعرف المرشحين شخصياً ولا تتوافر علاقة مباشرة، إنما إختيار القائمة يكون بناء على إسم الحزب.
وأكدت أن هناك أسباب شخصية لعدم المشاركة الكبيرة مثل منع الأزواج للزوجات، منوهة على أهمية التركيز على صلاحيات مجلس الشيوخ لتشجيع الناس على النزول، مضيفة أن الإنتخابات ستكون نزيهة بإشراف انتخابي كامل، واختيارك يسهم في وصول الأنسب والأجدر ما ينعكس على صياغة القوانين، لافتة إلى أن قانون الخدمة المدنية مثلاً أثار جدلاً كبيراً ولو كان لدينا مجلس شيوخ لما كان أحدث كل الجدل حوله وكنا تجنبنا سلبياته، وكذا قانون الإيجار القديم، وقانون الكيانات الإرهابية.
الـ100 المعينين
وذكرت د. حنان أبو سكين، أن الـ100 الذين سيعنهم الرئيس في المجلس لابد أن يكون مشهود لهم بالخبرة والكفاءة العلمية والعملية والنزاهة، وأن يكونوا من تخصصات مختلفة كأساتذة الإقتصاد والسياسة واجتماع وخبراء في الأمن القومي مع وجود تهديدات في الجنوب من سد النهضة والحدود الغربية، وكذا شخصيات عامة لا تجيد إدارة العمليات الإنتخابية ولابد أن يشملهم التعيين، ومن الممكن أن يعتمدوا على ترشيحات المؤسسات بمعايير معينة تغلب المصلحة العامة والكفاءة.
وأضافت أنه من الممكن تعيين شخصيات محسوبة على المعارضة حتى يكون هناك تنوع في الآراء، لافتة إلى أن الديمقراطية القائمة على الإنتخابات عند تطبيقها في الواقع ربما لا تأتي بالأحسن نتيجة المال السياسي ومساومات الأحزاب، كما أسفرت نتائج الإنتخابات في أوروبا عن صعود تيار اليمين الذي نعاني من سياساته، ولذا لجأت الدول للديمقراطية التشاورية التي تشمل مختلف التيارات لتمثيل مختلف الآراء خاصة وأن مجلس الشيوخ دوره إستشاري، ولا نختزل الديمقراطية في صندوق الانتخابات ونتغلب على المصالح الحزبية الضيقة.
الإصطفاف الوطني
ونوهت على أن هناك إصطفاف وطني ضد التهديدات الخارجية والإرهاب؛ وعلى الدولة أن تستغل هذا الاصطفاف، ولذا نحتاج رأي رشيد يعبر عن مصالح الناس وهمومها وهذا يجعل المواطنين تثق في الدولة أكثر.
ترشيد صناعة القرار
أما الدكتور أيمن شبانة، أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز البحوث الإفريقية بجامعة القاهرة، فيرى أن الهدف من مجلس الشيوخ هو توفير الخبرات في المجالات المختلفة التي تحتاجها الدولة، وليس له سلطة تشريعية ورقابية، ولكن يخدم عملية صناعة واتخاذ القرار وتفادي الأثار السلبية، ووجوده مهم للغاية.
وأضاف د. «شبانة»، أن المجلس يعطي توصيات تجعل القرارات أكثر حكمة ورشيدة، ولكن الأزمة في إتساع الدوائر وهذا لا يتيح فرصة للشباب والعناصر الأكاديمية والتكنوقراط، والذي يستطيع الفوز في الإنتخابات هم رجال الأحزاب القدامى وكبار رجال الصناعة والزراعة والتجار أي أصحاب المال السياسي ومن لديهم عصبيات وقبلية، ولذا فإن الشعب ينتظر من رئيس الجمهورية أن يوازن في الـ100 الذين يختارهم وأن يكونوا أصحاب خبرة تمثل أطياف المجتمع من النقابات والجامعات وغيرهم، لترشيد عملية صناعة القرار.