بقلم : الدكتور السيد اسماعيل الغمرى الأستاذ بكلية التربية جامعة الأزهر بالقاهرة
إن الإسلام هو أول وخاتم الرسالات السماوية، وهو الدين الذي ارتضاه الله – عز وجل – لعباده، وقد أرسل الله به رسله؛ ليُظهِره على الدين كله، فأكمله وأتمَّ به النعمة، ورَضِيَه لبَنِي آدم، وأوضح أن فيه النجاح والفلاح، وفي اتباعه صلاح العباد والبلاد، وفي الإعراض عنه الضنكُ والخُسران في الدنيا والآخرة. ولم ينتشر الإسلام بالخطاب الديني المتطرف، وإنما انتشر بالاعتدال والوسطية التي هي من أبرز خصائص الدين الإسلامي فالتسامح في الإسلام أصل أصيل وسمة بارزة وما دخل الناس فيه أفواجاً بدون سائق من سيف إلا من نتاج هذه السماحة، وانظر كيف استطاع التجار العمانيون واليمنيون في السابق أن يكونوا سبباً في انتشار الإسلام في شرق آسيا وفي إندونيسيا على وجه التحديد، مما جعل تعداد المسلمين اليوم في إندونيسيا وحدها أكثر من مائتي مليون مسلم،وإن مستقبل هذه الأمة مرتبط بقضية هذه الدعوة وإذا انقطع تيار هذه الدعوة بقيت هذه الأمة جسداً بلا روح. إن مما ابتليت به الأمة الإسلامية قضية العنف والغلو والتطرف التي عصفت زوابعها بأذهان البسطاء من الأمة وجهالها وافتتن بها أهل الأهواء الذين زاغت قلوبهم عن إتباع الحق فكانت النتيجة الحتمية أن وقع الاختلاف بين أهل الأهواء وافترقوا إلى فرق متنازعة متناحرة همها الأوحد إرغام خصومها على اعتناق آرائها بأي وسيلة كانت فراح بعضهم يصدر أحكامًا ويفعل إجرامًا يفجرون ويكفرون ويعيثون في الأرض فسادًا ويظهر فيهم العنف والتطرف إفراطًا وتفريطًا. والداعية له دور ومكانة في مهنته، وفي المجتمع الذي يعيش ويمارس دعوته فيه، واتباعًا للدعاة الصادقين من الأنبياء والمرسلين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ فإنه ينبغي على الداعية أن يتعايشَ مع مجتمعه، فيخالط الناس، ويصبر على أذاهم، ويؤمن بالله، ويعمل بالصالحات، ويتواصى بالحق، ويتواصى بالصبر مع نفسه، ومع إخوانه في حقل الدعوة ومع المدعوين،والانحراف الفكري في الدين في مفهومه العام قد يكون كاملاً يمرق بسببه الفرد عن الدين كما في بعض الأمور التي تتعلق بالاعتقاد ، وقد يكون انحرافًا جزئيًا من خلال إلزام النفس بما لم يلزمها به الشرع ، أو تحريم بعض الطيبات ونحو ذلك ، وهذه صور كثيرة وهي بداية للانحراف الكبير إن لم يجد من يتداركه ولقد كان النبي أول من وقف في وجه هذا الانحراف وتصدى له وحذر من عواقبه ووضع الأسس والقواعد الكفيلة بعلاجه قبل ظهوره وعند ظهوره وهو ينتشر في آخر الزمان أكثر من أوله وفي وسط الشباب أكثر من غيرهم كما جاء في حديث سويد بن غفلة قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، فَوَاللَّهِ لَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الحَرْبَ خِدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ». فعلى الدعاة التصدي له بكل ما أوتوا من قوة لحماية الأمة من التأثر به ، لما يترتب عليه من مفاسد عظيمة على الفرد والأمة ، فقد ذاقت الأمة ويلات هذا الانحراف من قول على الله بغير علم ، وفتاوى تصدر دون سند شرعي ، ووصل الأمر إلى التكفير والتفجير والتدمير للمنشآت وانتهاك لحرمة الدماء المعصومة- وكل هذا باسم الدين مما أدى إلى زرع العداوة والبغضاء بين أفراد الأمة الواحدة. وختاما نقول : مصر أمنه ومحفوظة مهما حاول الأعداء النيل منها ومن شعبها الآبى،مصداقا لقول الله عزوجل( ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين)،وكذلك ما قاله كعب الأحبار عن حفظها من الفتن بقوله :لولا رغبتي في بيت المقدس لسكنت مصر،فقيل له ولما؟،قال لأنها بلد محفوظة من الفتن،من أرادها بسوء كبه الله”،وعندما دعاسيدنا نوح عليه السلام لابنه قال “اللهم اسكنه الأرض المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد”. حفظ الله مصرنا الغالية من كل مكروه وسوء. و الله الموفق والمستعان