بقلم محمود الوروارى
من فضل الله تعالى أن جعل لنا مواسم نستكثر فيها من الطاعات ونتزود فيها من الخير مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ” إن في أيام دهركم لنفحات آلا فتعرضوا لها،لعل أحدكم تصيبة منها نفحة لا يشقي بعدها أبدا”رواه الطبراني.
ومن هذه المناسبات تحويل القبلة التى حقق الله فيها أمل نبيه ورجاه،فكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتوجهون إلى الكعبة المشرفة طيلة إقامتهم فى مكة والتى كانت قبلة نبي الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام،وكان يصلى بين الركنين فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس،ولماهاجر من مكة للمدينة توجه بأمر ربه إلى بيت المقدس ستة عشر أوسبعة عشر شهرا حتى يتألف قلوب اليهود وليؤكد للعالمين أن دعوته ليست بدعا من الرسل وإنما تأكيدا وتأييداً للنبوات والرسالات السابقة،فى حين أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يحب أن تكون قبلته الكعبة بإعتبارها قبلة أبيه إبراهيم ومكان نزول الوحى،فكان دائم النظر للسماء،فأنزل الله قوله”قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام”،وقد أجاب الله نبيه إلى مبتغاه وأمره أن يتوجه إلى الكعبة المشرفة وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة.
من هنا نؤكد على عدة نقاط هامة :
– إظهار العلاقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصي ليشعر المسلم بقدسية المسجدين،وفى ذلك توجيه للمسلمين لإدراك منزلة المسجد الأقصى ومسؤليتهم نحوه حيث كان مسري ومعراج وقبلة النبى محمد صلى الله عليه وسلم.
-لقد أخبرنا الله أن تحويل القبلة سيطلق ألسنة اليهود والمنافقين فقال”سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها” وقالوا “إذا كان مافعله بالأمس حقا،فلماذا تركه اليوم؟وإذا كان إستقبال الكعبة حقا فلماذا تركه بالأمس؟.
-كان تحويل القبلة إختبار من الله عزوجل للمسلمين لقوله”وماجعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه” وبالتالي كان تحويل القبلة إمتحان تصفية لقلوب المؤمنين وإمتحاناً لمن أراد الله له الهداية من اليهود،وقد مات بعض الصحابة قبل تحويل القبلة فسأل عنهم أهلوهم فجاء الرد القرآني”وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم”.
-لقد شرف الله الأمة بأن جعلها خير الأمم فجعلها أمة وسطا تنال شرف الشهادة على الأمم السابقة،وفي مقابل تلك المنزلة أن تقوم بالشكر والطاعة والإمتثال لأوامر الله ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس”.
-حب الوطن والإنتماء إليه ويتضح ذلك جليا من شوق النبي وهو بالمدينة للتوجه ناحية المسجد الحرام بمكة التى هى موطنه الذى تربى فيه،وهذا يدل على مدى إرتباطه وصدق إنتمائه وحبه لوطنه،فعند خروجه من مكه قال” والله إنك لأحب البلاد إلى الله،وأحب بلاد الله إلي،ولولا أن قومك أخرجوني منك ماخرجت”،وقوله عن يثرب(اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) .
-يبين تحويل القبلة مكانة النبى عند ربه ولهذا جاء النص القرآني صريحا”فلنولينك قبلة ترضاها”بدلا من قوله “فلنولينك قبلة نرضاها،لكن أراد الله أن يعلمنا مكانة وعظمة ومنزلة النبي صل الله عليه وسلم.
وختاما
نقول بأن ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة يتجلى الله على عبادة بالبركات،وورد فى فضلها ما أخرجه الترمذي وإبن ماجه عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل يصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض،فحركت أصبعه فتحرك فسمعته يقول”اللهم إني أعوذ بعفوك من غضبك،وأعوذ برضاك من سخطك،وأعوذ بك منك لا نحصي ثناء عليك،أنت كما أثنيت به علي نفسك،فلما فرغ من صلاته قال :أتدرين أي ليلة هذه؟ إنها ليلة النصف من شعبان يغفر الله للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤجر أهل الحق كما هم”وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك، أو مشاحن).
فعلينا أن نغتنم هذه الأوقات بالطاعات والصفح والعفو.
نسأل الله أن يوحد كلمتنا ويرفع رايتنا ويحفظ مصر قيادة وشعباً من كل مكروه وسوء ،تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال …وكل عام أنتم بخير.