حاوره : بشير حافظ
في ضوء الإحتفال بالذكري 51 لإنتصارات أكتوبر المجيدة ، كان لنا لقاء مع اللواء محي نوح أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة ، وقائد المجموعة39 قتال ، تحدث معنا وروي أسرار وتفاصيل جديدة ، فإلي نص الحوار :
س: كيف كانت نشأتك وتطلعاتك منذ الصغر؟
* أنا اللواء محي الدين خليل مهدي نوح من مواليد 1943 بقرية الجعفرية، وكان والدي مهندس زراعي ويعمل بمدينة المنصورة،وحصلت علي الثانوية العامة من مدرسة المنصورة الثانوية ،وإلتحقت بكلية الطب بالقاهرة،وقدحصلت علي بطولة الجمهورية للناشئين في الملاكمة،وأثناء إلتحاقي بالجامعة ومشاركتي في أحد معسكرات الملاكمه إستعددادا للمشاركة في دورة رياضية بالمغرب ،تقابلت مع العقيد علي شفيق مدير مكتب وزير الحربيه المشير عبد الحكيم عامر ، وكان حاضر للتدريب ، فاستدعاني وعرض علي الإلتحاق بالكلية الحربية ،فقمت بسحب أوراقي من كلية الطب للإلتحاق بالكلية الحربية،وهناك مع الفريق محمد فوزي وزير الحربية سابقا وكان مدير للكلية الحربية أنذاك، ثم تخرجت وإلتحقت بسلاح الصاعقة ،وذهبت لليمن في سنة 1964 وقد إصبت 4 إصابات وشظايا والتي تعتبر وسام وأوسمة لي،و إستفدت من تجربة اليمن( حرب عصابات..الخ، كما حصلت علي عدة أنواط وأوسمة منها: نوط الجمهورية من الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس السادات،نوط الواجب العسكري،نوط الشجاعة العسكرية،وسام النجمة العسكرية.
س: ماهو الدور الذي كلفتم به بعد عودتكم من اليمن ؟
*بعد عودتنا من اليمن ذهبنا للجبهة حيث توجهنا لمدينة شرم الشيخ ثم صدرت تعليمات لنا بالتحرك نحو الإسماعيلية وذلك يوم 5يونيو 1967 وقدعلمنا أن إسرائيل قد ضربت المطارات المصرية ،وأثناء وجودنا باﻹسماعيلية وردت إلينا تعليمات بشأن التصدي إلي لواء مدرع إسرائيلي ينوي إحتلال مدينة القنطرة وكان عددنا 200 فرد، فقمنا بعمل حفر برميلية وتقابلنا مع اللواء المدرع في منطقة جلبانه،وبدأ الطيران الإسرائيلي يقصف الموقع ، حيث إستطعنا تدمير عدد كبير من دبابات العدو،ثم بدأ اللواء المدرع فتح تشكيله وإتجه نحو القنطره ، ثم توجهت بعدد من المصابين إلي منطقة الكاب ومنها الضفة الغربية للقناة حتي وصلت إلي بورسعيد بمدرسة أشتوم الجميل، ثم كلفت بأخذ البلنصات إلي بحيرة البردويل ﻹحضار الشاردين والمصابين وكنانرتدي ملابس مدنيين.
في تلك الأثناء كنت قائدا لكتيبة صاعقة وكلفوني بوضع فصيلة في الكاب، رأس العش،التينه،وكان العدو قد توجه من القنطرة إلي مدينةبورفؤاد “التي فشلوا في إحتلالها أثناء حرب 67” حيث وصل العدو رأس العش “جنوب بور فؤاد”وأرادو إقامة موقع بجوار فصيلتي برأس العش عند الكيلو 14 علي قناة السويس،وكنا ثلاثين مقاتلا،وقد قررت التصدي للعدو في هذه المنطقه،وقمنا بإطلاق النار صوب العدو حتي دمرنا 4 دبابات وألحقنا خسائر في صفوف العدو، مما دفع العدو للتراجع،وأصبت بشظيتين في الكتف والوجه ،وكانت معركة رأس العش هي بمثابة رمز للصمود والثأر وعودة الثقه لنا.
س: ماذا عن إنضمامك للمجموعة 39 قتال؟
*لقد كلفت بالنزول للقاهرة لمقابلة فرع العمليات الخاصة ، حيث تقابلت مع اللواء إبراهيم الرفاعي والذي سبق وأن خدمت معه في اليمن، وقد طلب مني العمل معه وإختيار أفضل العناصر المتميزة معنا،ثم بدأنا بالعمل تحت عدة مسميات ” فرع العمليات،الفدائيين المصريين،الكوماندوز المصريين،ثم المجموعة 39 قتال، حيث يرجع السبب في تسميتها بهذا الأسم إلي قيامها بتسع وثلاثين عملية فدائية ضد العدو، حيث كان الهدف الرئيسي من المجموعه تدمير مواقع العدو وكسر الحاجز النفسي بيننا وبينه،ولولا حرب الإستنزاف ما إنتصرنا في معركة العبور،وقد قمنا بعدة عمليات فدائية ضد العدو منها:- اول عملية قمنابها هي الإغارة علي موقع لسان التمساح ” والذي كان يوجه ضرباته لمدينة الإسماعلية وهو أيضا الموقع الذي خرجت منه القذيفة التي اصابت الشهيد عبد المنعم رياض في 19/41969 إنتقاماوأخذالثأرللفريق عبد المنعم رياض الذي إستشهد علي الجبهة في9/3/1969 ،ورصدنا الموقع من الإسماعيليه،وتحركنا في 6 قوارب،وكنت قائد مجموعة إقتحام،ورغم الدشم الحصينة فقد دخلنا الموقع وأنزلنا العلم الإسرائيلي ورفعنا العلم المصري وحرقنا المنطقة الإدارية،وبالتالي أخذنا بالثأر،وقد أصبت بشظايا ونقلت لمستشفي القصاصين وأجريت لي عملية جراحية وكنت أتمني الشهادة ،ثم نقلوني إلي مستشفي المعادي،وقالبني اللواء محمد صادق مدير المخابرات وكان مشرفا علي المجموعة 39قتال،وجاء الرئيس جمال عبد الناصر لزيارتي بالمستشفي لمعرفة ماتم بعملية لسان التمساح،وطلبت منه توفير الإمكانيات اللازمة لنا علي الجبهة والأشتراك في العملية الفدائيةالقادمة ،فطلب سيادته من الفريق محمدفوزي وزير الحربية توفير كافة الإمكانيات للمقاتلين.
ثم قمنا بعد ثلاثة شهور بعملية علي نفس الموقع ،وكنا نهدف إلي دخول الموقع من ثغرة العدو وتحركنا في 8/7/1969 وقد وقع إنفجارين بمجموعتنا القتالية،وقد إصبت بشظايا ، العجيب أن العدو كان علي علم بتحركاتنا من أحد الضباط وكان في رتبة رائد ويدعي فاروق الفقي ،حيث كان علي صلة بجهاز بالموساد الإسرائيلي” وذلك عن طريق عشيقته التي تدعي “هبه سليم “التي سافرت لفرنسا وتعارفت علي ضابط موساد إسرأئيلي وإشتركت مع عشيقهاالرائد لإمداده بالمعلومات عن المواقع العسكرية والخطط والتحركات،حتي وقعوا في قبضة المخابرات العامة ،وأعدموا،وهذه هي نهاية الخونة والعملاء.
قمنا أيضاً بعملية أخري في الطور،حيث كانت جولدا مائير تنوي زيارة مطار الطور لرفع معنوية جنودها،وما أن علمنا وكان ذلك في 2/5/1970 تحركنا من الخليج وأرتدينا بدل الغطس حتي وصلنا لقارب لبناني شمال الطور ووضعنا الألغام،وبدأنا في ضرب المطارلمدة 40 دقيقة حتي دمرناه تماما ورجعنا سالمين.
قمنا بعمليات أخري مثل ضرب مصنع سدوم للفوسفات من الأردن،قصف ميناء إيلات ومدينة بيسان بالصواريخ.
س:ماذا عن أجواء ما قبل الحرب،وما المهمة التي كلفتم بها أثناء المعركة وثغرة الدفرسوار؟
لقد زار الرئيس السادات المجموعة 39 قتال بعد تولية الحكم مباشرة وذلك بعد مشروع “روجرز”لوقف إطلاق النار والذي يعتبر هدنة مؤقته من قبل الأعداء 1970م وسئلته أثناء لقائه بنا عن سبب توقف العمليات وما قد يؤدي لضعف العزيمة عندنا فأخبرني بأننا سنستمر في العمل والكفاح لتحرير الأرض،ولعل هناك أمر يستوقفنا وهو ما يدور في ذهن السادات حينما طلب من الفريق محمد صادق الذي عين بعد ثورة التصحيح في 1971 وزير للحربية ،حيث أقترح عليه مدي إستعداد القوات للعبور في أي وقت ولكن الفريق صادق فاجئة بما لم يكن متوقعا وهو عدم القدرة علي خوض الحرب دون أن يكون هناك إمكانييات وما تحتاجه القوات من اسلحة،….الخ الأمر الذي دفع السادات للإطاحة به والإتيان بالمشير أحمد إسماعيل علي وزيرا للحربية خلفا للفريق صادق.
وقد قامت الحرب في تمام الساعه 2.05ظ حيث إستطاعت طائراتنا ضرب مواقع العدو في سيناء، وبدأ العبور العظيم ،ولننظر للجندي المصري وهو يعبر مانع مائي صعب ويصعد ساتر ترابي يصل ل30 متر ويحتل المواقع الحصينه وكذلك صيامه مع الله أكبر..الله اكبر ويستولي علي خط بارليف الحصين في ست ساعات أليس هذا عمل عظيم ؟.
وكنا قد اغلقنا انابيب النابلم في القناة قبل الحرب بيوم لأن العدو كان يعتقد أنه من المستحيل عبور القناه أو حتي المرور من وسط هذه الأنابيب القابلة للإشتعال،وكذلك الساتر الترابي الذي إستخدمنا خراطيم ضغط المياه لعمل فتحات تسمح بمرور الجنود والدبابات ومد الجسور علي الضفة الشرقية للقناه..وقد عرفت بالخبر صباح يوم العبور لأننا جميعا كنا جاهزين وفي مشروع تدريبي وكان لخطة الخداع التى قامت بها القوات المسلحة أثر كبير في عنصر المفاجأة والتى استطاعت بها القوات المسلحة أن تستولى على النقط القويه والحصينه فى 6 ساعات وكنا مكلفين في اليوم الأول بتدمير مواقع البترول فى الجنوب وبدأنا بمنطقة بلاعيم دمرناها وكان معنا ثلاث طائرات هليكوبتر ثم بعد ذلك دمرنا باقى المواقع بالعبور بالقوارب من خليج السويس ثم بعد ذلك توجهنا إلى الأسماعيلية يوم 18 أكتوبر بعد حدوث ثغره الدفرسوار نتيجة وصول العدو إلي الصفة الغربية للقناه عبر جسر،وقد تحركنا لتدمير هذا الجسر،ولكن رفض الفريق سعد الدين الشاذلي تدمير الكوبري وهذا هو الخطأ الذي إرتكبه الشاذلي مع المجموعة 39 قتال،وطلب منا محاربة القوات المعادية،مع الصاعقه دفاعا عن مدينه الأسماعليه واستشهد البطل إبراهيم الرفاعي أمير الشهداء يوم 19 أكتوبر وقت أذان الجمعة توليت قياده المجموعه بعده وذهبت إلى قياده الجيش لأخذ المهمه من اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش وذهبت مع المجموعة للدفاع عن منطقه جبل مريم جنوب الإسماعلية حيث كنا في الخطوط الأماميةلكتيبة المظلات هناك ،وهناك توضيح لابد من قوله وهو أن الخلاف بين الرئيس السادات والفريق الشاذلي كان بسبب إصرار الأخير علي سحب قوات من الشرق للغرب،وهذا ما رفضه السادات .
س: ماذا تم بعد وقف إطلاق النار؟
لقد جاء قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار يوم 22/10/1973 عصراً ،وفي نفس الوقت كانت قوات الصاعقة تحارب في نفيشة وأبو عطوه،وقد إلتزمنا بالقرار وإسرائيل لم تلتزم،ودخلو لمدينة السويس 24/10/1973 ،ودارت معركة طاحنة بين العدو والقوات المصرية بإشتراك الأهالي مع الشرطة والجيش المصري ،وهزموا الصهاينة شر هزيمة،ثم عقدت مباحثات الكيلو 101 والعديد من المباحثات للسلام وقيام الرئيس السادات بزيارة إسرائيل في1977م.
وإتفاقية كامب ديفيد ؟
كانت لدي مشاعر متناقضة عند إستلام الأرض،فقد كنت في حيرة وتسأل مستمر كيف لي أن أضع يدي في يد من تلوثت أيديهم بالدماء خاصة وأنا مصاب وبي شظايا.
تمت إتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل ،حيث تم تنفيذ الأحتلال علي ثلاث مراحل (منطقة” أ” بطول60 كم من البحر المتوسط حتي جنوب سيناء وبعدها 22 ألف جندي،ثم منطقة ب” وبها 4 ألاف جندي حرس حدود،منطقة “ج” وبها 750 جندي أمن مركزي ،منطقة “د” في إسرائيل بحوالي 4 كم وبها 4 لواءات، ورفعنا العلم علي سيناء ،وظلت طابا تحت يد إسرائيل حتي تم إستلامها عبر لجنة التحكيم في 19/3/1989 ،وبالتالي يمكن القول أنه لولا الحرب ما كان السلام وأن السادات كان داهية سياسية.
س: الدروس المستفادة من ملحمة العبور 1973 ؟
-يعتبرعنصرالمفاجأة من عناصر النصر ، فقد فاجئنا العدو بالعبور علي عكس ما كان متوقعا.
– الفرد المصري تجده وقت الشده
– كلمة الله أكبر كان لها وقع السحر في النصر .
-التخطيط الجيد للمعركة.
– خطة الخداع المحكمة،التدريب الشاق والمناورات التي تمت خلال فترة السلم والحرب،وأن الجندي المصري خير أجناد الأرض،ورغم التعليمات الصادرة لنا باﻹفطار إلا أننا كنا صائمين ،عزيمة وإصرار منا علي تحرير الأرض،وإسقاط أسطورة العدو بأنه الجيش الذي لا يقهر.
-تكاتف العرب وقطع البترول عن الدول الكبري ، السرية الكاملة ،وتنويع مصادر السلاح.